واقع شديد الصعوبة يعيشه الصحفيون وأصحاب الرأي في العراق وكأنهم يعملون في حقل ألغام، فالكلمة لها ثمن باهظ في ظل وجود جهات مستفيدة من الاستمرار في نهج التعتيم وحجب المعلومات عن الرأي العام، وتتنوع أشكال إستهداف أصحاب الرأي بين حملات التشهير وتشوية السمعة والتهديدات والدعاوى الكيدية، وصولاً للقتل والاختطاف، والمتورطون في استهداف أصحاب الرأي والصحفيون هم جهات تمتلك السلطة والنفوذ وتُمارس سلطتها بشكل تعسفي لتكميم الافواه ولجم الأصوات المخالفة.
كما أن الواقع يزداد تعقيداً عندما يتعلق الأمر بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد أصحاب الرأي، فالافلات من العقاب أصبح سمة سائدة، حيث يحتل العراق مركز متقدم في مؤشرات الافلات من العقاب، وعلى الرغم من وجود عدة قوانين تعنى بحماية الصحفيين وأصحاب الرأي والحد من انتهاك حقوقهم وفي مقدمتها الدستور العراقي الصادر في العام 2005، والتعهدات الحكومية المتكررة بحماية أصحاب الرأي والكشف عن مرتكبي الانتهاكات بحقهم ومحاسبتهم، فإن العراق حلّ بالمرتبة السادسة على مستوى العالم في مؤشر الإفلات من العقاب، وفق آخر تصنيف للجنة حماية الصحفيين الدولية للعام 2023 ، وذلك بعد مرور 10 سنوات على إقرار الأمم المتحدة يوم الثاني من تشرين الثاني من كل عام يوما عالميا لتسليط الضوء على إنهاء الإفلات من العقاب.
تفاجأ الرأي العام في 21 اذار 2024 بقرار محكمة عراقية بـ "تبرئة" ضابط شرطة أدين في السابق وحكم عليه بالإعدام لاعترافه بقيادة مجموعة إغتالت الصحفي والاعلامي المعروف هشام الهاشمي قبل أكثر من ثلاث سنوات في بغداد وإعادته الى عمله في وزارة الداخلية، إذ نقضت محكمة التمييز العراقية حكم الإعدام الصادر بحق المدان باغتيال الصحفي هشام الهاشمي، وأعادت القضية إلى محكمة التحقيق التي بدورها أسقطت التهم الموجهة إلى المدان "لعدم كفاية الأدلة"، معتبرة أن "اعترافاته السابقة لا تصلح للإدانة".
ان قرار ادانة هذا الضابط والمجموعة المنفذه،في حينها، أثار موجة انتقادات كبيرة، كون أن جريمة قتل شخصية عامة كالصحفي هشام الهاشمي ليس جريمة جنائية فقط، بل انه اغتيال سياسي، وان ادانة أفراد في هكذا قضايا دون محاسبة الجهات الداعمة والمستفيدة من إسكات صوت الهاشمي، وغيره من الصحفيين والناشطين، يضع علامات استفهام حول فعالية الاجراءات القضائية في حماية أصحاب الرأي وردع الجهات المتورطة وتحميلها المسؤولية الجنائية والاخلاقية كجزء من اجراءات ضمان عدم التكرار وايفاء السلطات بالتزاماتها الدستورية والقانونية.
وكان الهاشمي قد قُتل بالرصاص خارج منزل عائلته في بغداد في السادس من يوليو 2020 عندما أطلق عليه مسلحون يستقلون دراجة نارية وابل من الرصاص فأردوه قتيلا.
وسبق أن أكد وزير العدل العراقي خالد شواني، في نيسان 2023، أن المتهم بقتل الصحفي هشام الهاشمي غير موجود في سجون وزارة العدل وأن الوزارة لم تتسلمه وذلك في أعقاب تداول الإعلام "وثيقة مسربة" صادرة من وزارة العدل وبتوقيع الوزير تؤكد عدم وجود المدان في سجون الوزارة.
ان الافراج عن الشخص المدان بجريمة الاغتيال واعادته الى وظيفته في وزارة الداخلية يطرح أسئلة جدية عن التدخل السياسي في عمل القضاء وتأثير بعض مراكز القوى على قرارات السلطة القضائية، بما يضع حرية الرأي والتعبير، التي تُعد ركيزة أساسية في النظم الديمقراطية، على المحك، كون إنهاء الإفلات من العقاب ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم هو شرط أساسي لضمان حرية التعبير والوصول إلى المعلومات لجميع المواطنين
نحن في حملة "احموا المدافعين عن حقوق الانسان في العراق الان"، نُطالب القضاء العراقي باعادة النظر في قرار اسقاط التهمة عن المدان باغتيال الصحفي هشام الهاشمي، كما ندعوا الى فتح تحقيق شامل في حوادث الاغتيال التي تَعرض لها الصحفيون والناشطون والمدافعون عن حقوق الانسان والكشف عن الجهات التي تَقف خلفها ومحاسبتها، كما نُطالب الحكومة العراقية أن تتحمل مسؤولياتها الدستورية والقانونية بحماية أصحاب الرأي وتوفير بيئة اَمنة لهم من خلال ردع الجهات التي تستخدم سلطتها ونفوذها لقمع الحريات واستخدام العنف ضد أصحاب الرأي.
حملة "احموا المدافعين عن حقوق الانسان في العراق الان"
2024 اذار