في الوقت الذي يمرُّ فيه العراق بمرحلة خطيرة تتمثَّل في الخلافات السياسية الداخلية التي أعقبت إجراء الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/ تشرين الأوَّل 2021، وطبيعة الصراع السياسي الذي إتسم بالعنف طيلة الاشهر الماضية، وآثار هذه الخلافات في الواقع الأمني والمعيشي وتأثيرها المباشر في حياة الناس؛ فإنَّ التضييق على حرية الرأي والتعبير يأخذ مسارا خطيرا، إذ يتعرَّض النشطاء والصحفيون والمدافعون عن حقوق الانسان إلى سلسلة من حملات التشهير والاجراءات التعسفية التي يُرادُ بها لجمُ أصواتهم ومنعهم من أداء دورهم في نقد عمل المؤسسات الرسمية وتشخيص الأخطاء ونقل المعلومات بشفافية إلى الرأي العام؛ فقد تعرَّض، في الآونة الأخيرة، الصحفيون ونشطاء حقوق الانسان ـ الذين شخَّصوا وتحدَّثوا عمَّا في أداء السلطتين التنفيذية والتشريعية من أخطاء ـ للاعتداء والترهيب والتهديد، وكذلك الاحتجاز والاعتقال التعسفيين.
في الوقت الذي نجدِّدُ فيه التمسُّك بالحقوق، ومنها الحقُّ في التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، فأنِّنا نضع هذه الاجراءات التعسفية في ضمن محاولات السلطات العراقية لقمع حرية الرأي والتعبير، ونعدُّها تجاهلا صارخا للتضحيات التي قدَّمها العراقيون في انتفاضة تشرين؛ لضمان حريتهم وحقوقهم، هذه الانتفاضة التي يتعرض، في الوقت الراهن، الكثيرين ممن شاركوا فيها الى دعاوى كيدية ومحاكمات، واخرها الاحكام التي صَدرت في يوم 4 مارس / اذار بحق مجموعة من المتظاهرين في محافظة الديوانية ومنهم الناشط والمتظاهر حسن المياحي، الأمر الذي يُعدُّ ـ أيضا ـ تعديَّا واضحا على الحق في حرية الرأي والتعبير الذي كفله الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 في المادة (38) التي تكفل حرية التعبير عن الرأي والتجمُّع السلمي، وكفلتها المواثيق والمعاهدات الدولية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادَّة (19) التي تنصُّ على أنَّ لكلِّ انسان حقَّا في حرية التعبير، ويشمل هذا الحقُّ حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، وكذلك المادة (9) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنصُّ على أنَّ لكلِّ فرد حقَّا في الحرية والأمان على شخصه، ولا يجوز توقيفُ أحدٍ أو اعتقالُه تعسفا، ولا يجوز حرمانُ أحدٍ من حريته إلَّا لأسباب ينصُّ عليها القانون وطبقا للإجراء المقرَّر فيه.
وإنَّنا ـ في الوقت نفسه ـ نستنكرُ الحملة الممنهجة التي يتعرَّض لها الصحفيون والناشطون والمدافعون عن حقوق الانسان؛ لتكميم الأفواه ومن ثمَّ تقويض دور المجتمع المدني في النقد لإرساء أسس الحياة الكريمة في المجتمع وتعزيز الديمقراطية، ونؤكد ـ أيضا ـ أنَّ هذه الاجراءات التعسفية ضدَّ أصحاب الرأي من شأنها أن تهدِّد أُسس النظام الديمقراطي الذي تُعد حرية الرأي والتعبير من أهم ركائزه.
ونود في هذا السياق أن نؤكد، إنَّ التوجيه الأخير الذي أصدره رئيس مجلس النواب بالنيابة السيِّد محسن المندلاوي للدائرة القانونية في المجلس، في 28
فبراير/ شباط 2024، بإقامة دعوى قضائية على أيَّة مؤسَّسة أو فرد "يُسيءُ" للمؤسَّسة التشريعية وأعضائها، يُعدُّ توجيها تعسفيَّا خطيرا؛ لأنَّه يضعُ قيودا على الصحفيين في أثناء ممارسة عملهم، ومن ثمَّ يحدُّ من قدرتهم على نقل المعلومات بشفافية إلى الرأي العام، فضلا عن أنَّ خطورته تكمن في استعمال كلمة "يسئ"، وهي كلمة مطَّاطة وفضفاضة، يمكن استغلالها ضدَّ كلَّ صحفيٍّ ينتقد عمل السلطة التشريعية أو يشخِّصُ خللا ما في عمل السيدات والسادة أعضاء مجلس النواب.
وقد سبق هذا التوجيه سلسلة من الاجراءات التعسفية استهدفت قمع مجموعة من أصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الانسان، ومنها اعتقال المدوِّن ياسر الجبوري في 26 فبراير/ شباط 2024، في أثناء محاولته مغادرة العراق عبر مطار بغداد، ومن ثم الافراج عنه مع الاحتفاظ بجواز سفره ثم تمكن من العودة الى عائلته بعد قرابة الأسبوع من اطلاق السراح و بدون أي تعليق حول الموضوع . ولم تُصدر الحكومة العراقية أي بيان يوضح أسباب الاعتقال وسبب المنع من السفر لغاية الان، وكذلك إغلاق عددٍ من المواقع الالكترونية والمنصَّات، ومنها قناة "هذه الايام" التابعة للصحفي والباحث الدكتور حميد عبد الله، بعد بثِّه لحلقة انتقد فيها السيد رئيس الجمهورية، وكذلك اغلاق الموقع الرسمي للمركز الخبري الوطني، ومنع عدد من الاعلاميين والصحفيين من الظهور على القنوات الفضائية العراقية؛ بناءً على أوامر صادرة عن هيأة الاعلام والاتصالات بسبب انتقادهم لسياسات الحكومة العراقية.
في حملتنا "احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الآن"، ندين بشدة هذه الانتهاكات ونطالب بوقفها فورًا. نطالب أيضًا بالتحقيق في جميع الحالات التي تعرض فيها النشطاء والصحفيون ومدافعو حقوق الإنسان للاعتداءات والتهديدات، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأفعال.
نحن نؤكد على أهمية حرية التعبير والصحافة الحرة كأساس للديمقراطية والحقوق الإنسانية. ندعو الحكومة العراقية إلى احترام الحقوق الأساسية للمواطنين وضمان حماية النشطاء والصحفيين ومدافعي حقوق الإنسان من التعرض للمضايقات والتهديدات
اذار 2024