بيان صحفي
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة
صادر عن حملة "احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الآن"
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تتوجه حملة "احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الآن" بتحية إجلال لكل الصحفيات والصحفيين الذين يواصلون أداء رسالتهم النبيلة في العراق، متحدّين كل أشكال القمع والخطر الذي يحيط بمهنة البحث عن الحقيقة. وبينما يفترض أن يكون هذا اليوم مناسبة للاحتفاء بحرية الكلمة، نجده في العراق مناسبة لتجديد القلق إزاء بيئة العمل الإعلامي التي ما تزال محفوفة بالتهديدات والانتهاكات المتكررة.
رغم مرور أكثر من عقدين على التغيير السياسي، تستمر الانتهاكات بحق الصحفيين بلا هوادة. التقارير الرصينة، مثل تقرير جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، الذي وثقت ما لا يقل عن 457 انتهاكاً خلال عام 2024 وحده. شملت هذه الانتهاكات القتل العمد، كما حدث مع الصحفي ليث محمد رضا، مراسل وكالة الأنباء العراقية، الذي أُردي برصاص مجهولين في بغداد خلال شهر آذار/مارس الماضي، إثر مشادة لم تُعرف تفاصيلها، فيما لم تعلن السلطات عن نتائج أي تحقيق جدي حتى الآن. الاعتقالات التعسفية طالت صحفيين كُثر، بعضهم أوقف أثناء تغطيته للاحتجاجات السلمية، وبعضهم الآخر بسبب منشورات نقدية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما سُجّلت عشرات الحالات من الاعتداء الجسدي والتهديد المباشر، وسط عجز واضح عن حماية الضحايا أو محاسبة المعتدين.
لم تتوقف الانتهاكات عند الأفراد فقط، بل طالت المؤسسات الإعلامية بشكل مباشر، حيث شهد العام الماضي إغلاق مكاتب قنوات فضائية معروفة، وفرض غرامات تعسفية، ومصادرة معدات صحفية، كما حدث مع قناة MBC عقب بثها تقريراً أثار حفيظة جهات مسلحة. وبموازاة هذا، تصاعدت وتيرة التضييق على المنصات الرقمية المستقلة، مع محاولات مستمرة لفرض رقابة مشددة على الإعلام الإلكتروني ومحتوى التحقيقات الاستقصائية، مما يضيق الخناق على المساحات القليلة المتبقية للصحافة الحرة.
في إقليم كردستان، الذي كان يُعتبر في وقت سابق مساحة أكثر انفتاحاً، سجل مركز مترو لحقوق الصحفيين 182 انتهاكاً خلال عام 2024. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل تراجعاً بنسبة 22% عن العام السابق، إلا أن طبيعة الانتهاكات ما زالت تثير القلق. حُظرت تغطية العديد من الفعاليات العامة، واعتُقل صحفيون تعسفاً، وتعرض آخرون للاعتداء الجسدي أو التهديد، مع استمرار ظاهرة مصادرة المعدات ومنع النشر. هذا الواقع يعكس هشاشة بيئة العمل الإعلامي حتى في المناطق التي يفترض أنها تتمتع بهامش أوسع من الحريات.
تؤكد الحملة أن هذه الانتهاكات لا تمثل خروقات معزولة، بل تعكس أزمة بنيوية أعمق ترتبط بسياسات الإفلات من العقاب، وضعف سيادة القانون، والاستخدام السياسي للقضاء كأداة لقمع الأصوات الحرة. والأخطر من ذلك أن العراق، رغم توقيعه على مواثيق دولية ملزمة، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية لحماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة، لا يلتزم فعلياً بتطبيق هذه الالتزامات التي تكفل الحق في حرية التعبير وتمنع عرقلة العمل الإعلامي.
إن حرية الصحافة ليست امتيازاً ممنوحاً، بل حق أصيل نصت عليه القوانين الدولية والدستور العراقي ذاته. إن تراجع هذه الحرية معناه تراجع الشفافية والمساءلة وإضعاف المجتمع المدني، وهو خطر يهدد ليس فقط مستقبل الصحافة، بل مشروع بناء دولة ديمقراطية قائمة على احترام حقوق الإنسان. واستمرار الاستهداف المباشر للقنوات المستقلة ومنصات التحقيقات الصحفية يفتح الباب واسعاً أمام الرقابة الذاتية والخوف، ما يفرغ الحق في حرية التعبير من مضمونه الحقيقي.
انطلاقاً من هذه الحقائق، تطالب حملة "احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الآن" السلطات العراقية بالتحرك الجاد لحماية الصحفيين، وفتح تحقيقات شفافة ومستقلة في جميع الانتهاكات، وإلغاء كافة الإجراءات والقوانين المقيدة لحرية الإعلام، وضمان بيئة عمل آمنة وعادلة للصحفيين والمؤسسات الإعلامية. كما تدعو الحملة المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية إلى تعزيز الضغوط الدبلوماسية والحقوقية على الحكومة العراقية لضمان احترام التزاماتها الدولية ومحاسبة كل من يعتدي على حرية الصحافة.