في هذا اليوم، اليوم العالمي لضحايا الإبادة الجماعية، نقف لنستذكر واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت في العراق الحديث: إبادة الإيزيديين في سنجار عام 2014. لم تكن هذه الجريمة حدثاً عابراً، بل كانت عملية مُمنهجة بُنيت على نية واضحة لتدمير جماعة دينية بكاملها، وفق ما أثبتته تقارير الأمم المتحدة وفرق التحقيق الدولية، وفي مقدمتها فريق UNITAD الذي أكد بالأدلة المادية والجنائية أن ما حدث يرقى إلى جريمة إبادة جماعية مكتملة العناصر.
في آب/أغسطس 2014، اجتاح تنظيم داعش مناطق سنجار والقرى المحيطة بها، وارتكب سلسلة جرائم واسعة النطاق:
قتل جماعي للرجال والشيوخ.
اختطاف آلاف النساء والفتيات واستعبادهن جنسياً.
خطف أطفال الإيزيديين وتحويلهم إلى مقاتلين، أو محو هويتهم الدينية.
تدمير المزارات والمعابد في محاولة لطمس الوجود الروحي والثقافي للجماعة.
هذه الوقائع ليست مجرد شهادات؛ بل هي أدلة مثبتة جُمعت من مواقع المقابر الجماعية، وسجلات المفقودين، ووثائق التنظيم، وشهادات ناجين وناجيات ما زالت آثار الجريمة محفورة في أجسادهم ووعيهم.
الآثار طويلة المدى: جرح لا يندمل
- لم تنتهِ الإبادة بانتهاء سيطرة داعش. فالمجتمع الإيزيدي ما يزال يعيش تداعياتها على مستويات متعددة:
- عائلات مفكّكة وقرى فارغة.
- صدمات نفسية عميقة لدى الناجين والناجيات، لا سيما النساء اللواتي تعرضن لاستعباد جنسي ممنهج.
- آلاف المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم بعد.
- أطفال فُصلوا عن عائلاتهم أو عادوا بذاكرة ممزقة وهوية مُصادرة.
- بنية اجتماعية ممزقة تحتاج إلى سنوات من الدعم وإعادة البناء.
رغم مرور أكثر من عقد على الجريمة، لم تتحقق العدالة بمستوى خطورة ما حدث.
بعض الدول مثل ألمانيا قادت محاكمات مهمة ضد عناصر داعش، وحققت سوابق قانونية تاريخية بإثبات تهمة الإبادة الجماعية.
الأمم المتحدة وثّقت وجمعت الأدلة بآليات مهنية عالية عبر UNITAD.
لكن على المستوى الوطني، بقيت العدالة ناقصة ومجزأة:
- غياب خطة حكومية مركزية وفاعلة للبحث عن المفقودين والكشف عن المقابر الجماعية.
- بطء كبير في تنفيذ برامج التعويض وإعادة الإعمار، وبقاء آلاف الناجين في مخيمات أو ظروف معيشية هشة.
- ضعف برامج الدعم النفسي والاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بإعادة إدماج النساء والأطفال العائدين من الأسر.
- نقص في التنسيق بين مؤسسات الدولة وإقليم كردستان، ما أدى إلى تشتت الجهود وضياع الموارد.
- غياب إشراك حقيقي للناجين في صياغة السياسات التي تخص مستقبلهم وحقوقهم.
لقد أثبتت الأدلة والتحقيقات الدولية أن ما تعرض له الإيزيديون هو إبادة جماعية. لكن ما لم يتحقق بعد هو الإرادة السياسية لترجمة هذا الاعتراف إلى منظومة شاملة للعدالة والإنصاف، تعيد للناجين حقوقهم، وتكشف مصير المفقودين، وتحمي المجتمع من تكرار الكارثة.
إن استذكار الإبادة ليس مجرد واجب رمزي؛ بل هو دعوة مباشرة للعمل. ولذلك نؤكد على مجموعة أولويات ملحّة:
1.إنشاء آلية وطنية موحدة وشفافة للبحث عن المفقودين، بتمويل كافٍ، وإشراف رقابي مستقل.
2.تسريع وتفعيل برامج التعويض وإعادة الإعمار، وفق معايير، واضحة، ومعلنة.
3.إطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي طويلة الأمد، تركز على النساء والأطفال بالدرجة الأولى.
4.تعزيز التنسيق بين الحكومة الاتحادية والإقليم في كل ما يتعلق بالإغاثة، والتوثيق، وإعادة الإدماج.
5.إشراك الناجين والناجيات في صياغة القرارات والسياسات بوصفهم أصحاب حق وليسوا مجرد مستفيدين.
6.ضمان استمرار ملاحقة الجناة سواء داخل العراق أو خارجه، وتذليل العقبات أمام التعاون الدولي القضائي.
ختاماً:
اليوم، نقف احتراماً لضحايا الإبادة الإيزيدية، ونجدّد التزامنا بالحق والحقيقة. ليس الهدف إحياء الماضي، بل منع المستقبل من تكرار نفس الجريمة. العدالة للإيزيديين ليست ملفاً حقوقيًا معلقاً، بل مسؤولية أخلاقية وقانونية ووطنية لا تحتمل مزيداً من التأخير.
