رغم التحسن النسبي في ترتيب العراق ضمن مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025، إلا أن الواقع الميداني يكشف عن صورة أكثر تعقيداً وأقل تفاؤلاً
فقد أظهر تقرير "مراسلون بلا حدود" أن العراق تقدم 14 مرتبة مقارنة بالعام الماضي، ليحتل المركز 155 عالمياً بعد أن كان في المرتبة 169. لكن هذا التقدم لا يعكس بالضرورة تحسناً حقيقياً في مناخ الحريات الإعلامية، بقدر ما يُظهر تراجع أوضاع بعض الدول الأخرى. فعلى أرض الواقع، تتزايد التحديات أمام الصحفيين العراقيين، وتتعقد أزمة الحريات الإعلامية وسط مشهد سياسي غير مستقر، وأجواء من التضييق المالي والإداري. وقد اعتُبر العام الماضي عاماً للانتكاسة في هذا المجال، حيث بلغت الانتهاكات مستويات مقلقة، تراوحت بين الاعتقال، والمنع من التغطية، والملاحقات القضائية، ما يؤكد اتساع دائرة التضييق والاستهداف الممنهج. وقد وثقت هذه الانتهاكات جمعيات ومنظمات مجتمع مدني. كما لا يمكن إغفال أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا في العراق منذ التغيير تجاوز 500 صحفي، بحسب وكالات أنباء ونقابة الصحفيين العراقيين.
الإفلات من العقاب يقوّض الأمان
لا تزال حوادث اغتيال الصحفيين دون محاسبة تُلقي بظلالها الثقيلة على المشهد الإعلامي. فبالرغم من الاستقرار الأمني النسبي الذي يشهده العراق في السنوات الأخيرة، فإن إفلات الجناة من العقاب يبعث برسائل سلبية حول سيادة القانون، ويقوّض أي سردية عن الأمن المستعاد
حتى اليوم، لم يُكشف عن القتلة أو يُقدَّموا للعدالة في عدد من قضايا الاغتيال، ما يمثل فشلاً ذريعاً في حماية الصحفيين وضمان بيئة آمنة للعمل الصحفي.
المال السياسي يطوّق الإعلام
سلّط تقرير "مراسلون بلا حدود" هذا العام الضوء على التحديات المالية التي تواجه الصحفيين في العراق، خصوصاً في ظل هيمنة التمويل السياسي على أغلب المؤسسات الإعلامية. فالكثير من القنوات والمنصات الإعلامية تُمَوَّل من قِبل أحزاب وجهات سياسية، ما يفرض قيوداً على استقلالية التغطية الصحفية، ويدفع الصحفيين المستقلين للعمل في ظروف معقدة وأحياناً خطرة.
بات الواقع الإعلامي رهينة للمال والسلاح، حيث يضيق الخناق على الخطاب المستقل، وتُفرض رقابة ناعمة تارة، وصارمة تارة أخرى، تحد من قدرة الصحفيين على أداء مهامهم بحرية.
حوادث مقلقة بلا إنصاف
في يناير 2020، قُتل الصحفي أحمد عبد الصمد وزميله المصور صفاء غالي أثناء عودتهما من تغطية احتجاجات شعبية. وحتى اليوم، لا تزال العدالة غائبة في قضيتهما.
وفي تموز 2023، تعرّض الصحفي حسن نبيل للخطف والترهيب أثناء تغطيته لقضية تتعلق بمؤسسة أهلية. وعلى الرغم من وجود الأدلة، لم يُبتّ في قضيته حتى الآن، بل وتعرض لاحقاً للفصل من عمله، ما انعكس سلباً على مستقبله المهني.
تعكس هذه الحوادث، وغيرها، تصاعد العنف المؤسسي تجاه الصحفيين، واستمرار الانتهاكات دون رادع قانوني أو محاسبة.
لا يمكن الحكم على حرية الصحافة في العراق من خلال مؤشر رقمي فقط. فواقع الميدان، وتوثيق الانتهاكات، وسير العدالة، هي معايير أكثر دقة لقياس البيئة الإعلامية. وبينما يُعدّ التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" مرآة لحال الصحافة عالمياً، فإن العراق بحاجة إلى إصلاحات جذرية تبدأ بكسر سطوة المال والسلاح، وتصل إلى بناء بيئة قانونية تحمي الصحفيين وتضمن لهم العمل بحرية وأمان.