يتعمّق الانحدار الحقوقي في إقليم كردستان على وقع أزمة الرواتب المستمرة، حيث تواجه المطالبات الشعبية بالعدالة المعيشية بردٍ ممنهج من القمع الأمني وانتهاك الحريات. بدلاً من السعي إلى حلول سياسية واقتصادية، يتم التعامل مع الاحتجاجات باعتبارها تهديداً أمنياً يجب سحقه.

في السليمانية، أدت الدعوات السلمية إلى التظاهر إلى حملة اعتقالات واسعة طالت أكثر من 60 مواطنًا ومواطنة، وسط استخدام مفرط للقوة واستهداف مباشر للنشطاء. ما جرى ليس مجرد تجاوز فردي، بل جزء من نمط قمعي بات يتكرر مع كل أزمة، فيما تغيب أي إرادة حقيقية لمعالجتها.

في أربيل، كانت الصورة أشد قتامة. خلال تظاهرة مطالبة بالحقوق المعيشية، قُتل أحد المتظاهرين نتيجة عنف مفرط من القوات الأمنية، في انتهاك مباشر للحق في الحياة وحرية التجمع السلمي، وهي حقوق مكفولة بموجب الدستور العراقي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يُفترض أن يكون الإقليم ملتزماً به.

تزامناً مع التصعيد الميداني، تستمر الانتهاكات ضد الأصوات المدنية والحقوقية. إذ تعرّض شوان صابر، رئيس شبكة العدالة للسجناء، لمحاولة اعتداء من قبل مسلحين مجهولين، وجهوا إليه تهديداً صريحًا بالقتل: "إذا فتحت فمك، سنقتلك مثل الكلب." هذه الحادثة تأتي بعد سلسلة من الاعتداءات، منها تعذيب النائب سيبان أميدي بعد اختطافه على يد قوة تابعة لحزب حاكم، في تموز الجاري.

خلال الفترة الممتدة من أواخر حزيران وحتى منتصف تموز، سُجّلت انتهاكات متعددة شملت الاعتقالات، التعذيب، والتهديدات الممنهجة، ما يعكس توجّهاً عاماً لتصفية الفضاء المدني، وإسكات أي معارضة سلمية عبر أدوات العنف والخوف.

بين الأجهزة الأمنية وجماعات العشائر المسلّحة الخارجة عن القانون، تتآكل صورة الإقليم كمكان يُفترض أنه يتمتع بقدر من "الاستقرار والديمقراطية". والنتيجة: صمت رسمي مريب، وتواطؤ واضح يُهدد القيم الدستورية، ويحوّل مؤسسات الدولة إلى أدوات قمع لا تختلف في جوهرها عن أي سلطة استبدادية.

الكرامة الإنسانية، والحق في التظاهر، وحرية التعبير، ليست شعارات مثالية، بل التزامات قانونية وأخلاقية. وانتهاكها لا يعني فقط سحق حقوق الأفراد، بل تقويض شرعية الدولة نفسها.