في المشهد السياسي العراقي، حيث تتشابك المصالح وتتعدد التحديات، يبرز اسم النائب مصطفى جبار سند كشخصية سياسية مثيرة للجدل. منذ دخوله البرلمان، شهدت مسيرته تحولات لافتة، من كونه شخصية مستقلة إلى تبنيه مواقف مرتبطة بجماعات مسلحة، واستخدامه لخطاب يتسم بالحدة تجاه الأصوات المعارضة. يهدف هذا المقال إلى استعراض مسيرة سند السياسية، وتحليل أبرز ملامح خطابه، وتأثير سلوكه على المشهد السياسي وحرية التعبير في العراق، مع التركيز على الحقائق الموثقة والبعد الحقوقي وقضايا الإفلات من العقاب.  

 مصطفى سند، المولود في عام 1985 بمحافظة البصرة، يحمل خلفية شخصية تأثرت بظروف صعبة. فوالده، جبار سند، أُعدم في عام 1995، مما ترك مصطفى في سن مبكرة ليواجه تحديات معيشية كبيرة. يتمتع سند بمؤهلات أكاديمية، حيث حصل على شهادتين جامعيتين في الهندسة البتروكيماوية والاقتصاد. بدأ نشاطه العام بتنظيم احتجاجات في البصرة للمطالبة بتحسين الخدمات، وهو ما لفت إليه الأنظار من قبل شخصيات سياسية. 

صعد مصطفى سند إلى مجلس النواب العراقي في الدورة الخامسة، ويشغل حالياً عضوية اللجنة المالية النيابية. وقد شهدت مسيرته البرلمانية تحولاً، حيث أصبح يُنظر إليه كداعم لجماعات مسلحة، ويُتهم باستغلال نفوذه البرلماني. هذا التحول من النشاط الاحتجاجي إلى الدور البرلماني يثير تساؤلات حول طبيعة التحالفات التي أثرت على مساره السياسي، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على التزامه بمبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون. 

يُعد خطاب مصطفى سند، الذي يتسم بالحدة في كثير من الأحيان، موضوعاً للانتقاد، خاصة من منظور حقوق الإنسان. وقد وثقت مصادر متعددة مواقف وتصريحات تعكس هذا التوجه. في اخر الوقائع التي أثارت جدلاً، علّق سند على حادثة سحب العلم الإيراني من إحدى الزائرات خلال الزيارة الأربعينية. وقد حرض على المنتسب الذي قام بسحب العلم، وكشف عن اسمه ومحافظته، داعياً من يعرفه إلى إبلاغه "على الخاص" لوجود "عقوبة قانونية بالانتظار". هذا الموقف، الذي أدى إلى إصدار أمر اعتقال بحق المنتسب، يُنظر إليه على أنه استغلال لمنصبه للتهديد المباشر للأفراد، وانتهاك لحقهم في الأمان الشخصي والخصوصية، ويتماشى مع اتهامات بأن سلوكه مرتبط بمواجهات القوات الأمنية مع الميليشيات المسلحة، مما يساهم في ثقافة الإفلات من العقاب حيث لا تتم محاسبة المسؤولين عن التهديدات والانتهاكات. 

في واقعة أخرى، تبنى سند رواية حول قضية وفاة الطبيبة بان زياد، والتي اعتبرت مخالفة لمسار التحقيقات الرسمية والنتائج القضائية. وقد أصر على تضليل الرأي العام والضغط على الهيئة التحقيقية، مما يُنظر إليه على أنه يمس استقلاليتها ونزاهة العملية القضائية. وفي تصريح حول القضية، قال سند: "حتى لو قـتل مثلاً.. واحد قتل أخته شنو دخلكم؟، وهو ما أثار استياءً واعتبره البعض محاولة لتبرير الجرائم، مما يقوض مبدأ المساءلة ويعزز الإفلات من العقاب في قضايا العنف، خاصة ضد النساء. كما اتهم سند منظمات ونسويات بالوقوف خلف حملة لتشويه سمعة عائلة الطبيبة بان، وهو ما يمكن أن يُفسر على أنه محاولة لتكميم الأفواه وتشويه سمعة المدافعين عن حقوق المرأة. 

تحول خلاف بين سند والمحلل السياسي أوراس ال حمد إلى شجار في قناة "العهد". وقد ادعى أوراس ال حمد أن سند ومرافقيه حاولوا اختطافه بعد مغادرته القناة، وهو ما أثار دعوات للقضاء ووزارة الداخلية للتحرك لحماية حرية التعبير. كما يُتهم سند بتهديد محلل سياسي آخر. 

هذه الحوادث تسلط الضوء على التهديدات التي تواجه حرية التعبير والرأي في العراق، وكيف يمكن أن يؤدي الإفلات من العقاب إلى تكرار مثل هذه الممارسات. يواجه سند اتهامات بتبني خطاب طائفي. فقد قدم شكوى لاستبعاد قمر السامرائي من الانتخابات بسبب "خطابها الطائفي". كما اتهم بمحاولة تأجيج النعرات الطائفية باستهداف الطارمية، وطالب مهند الراوي باعتذاره عن "الشحن الطائفي". 

هذه المواقف تُفسر على أنها تهدف إلى إثارة الانقسامات الطائفية، مما يقوض السلم المجتمعي وحقوق الأقليات. ولم يتوقف خطاب سند عند التحريض، بل امتد إلى تصريحات تُعتبر تهديدات مباشرة. ففي إحدى تصريحاته، قال: 

"أنا مربي وحوش على إيدي… ياكلونكم أكل". وفي تصريح آخر، قال: "عندي زلم دافنهم جوه الكاع". هذه التصريحات تُفسر على أنها تعكس "البلطجة" السياسية، وتستند إلى نفوذ الميليشيات، مما يخلق بيئة من الخوف والترهيب ويساهم في الإفلات من العقاب على أعمال العنف والتهديد. 

يستخدم مصطفى سند منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر (X) وتيك توك، بشكل واسع للترويج لنفسه في القضايا العامة ونشر تصريحاته ومواقفه. وقد أثار جدلاً واسعاً على هذه المنصات بعد انتشار تصريح منسوب له في مجموعة واتساب يعلق فيه على حادثة وفاة. كما أبدى قلقه بشأن أسلوب تعامل رئيس الوزراء محمد السوداني مع منتقديه على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتقد السوداني بسبب حبس ضابط انتقد الأخير على هذه المنصات. هذا الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي، رغم أهميته في التواصل، يمكن أن يتحول إلى أداة للتحريض والتشهير، مما يؤثر سلباً على حقوق الأفراد في الخصوصية والسمعة، ويساهم في تضييق مساحة حرية التعبير. هذه الوقائع تثير تساؤلات حول مدى تأثير النفوذ السياسي على العملية الانتخابية وحقوق الأفراد في الترشح والمشاركة السياسية، وتساهم في تعزيز الإفلات من العقاب على التدخلات غير القانونية في العملية الديمقراطية. أما في قضية نور زهير، فقد كان لسند دور بارز في متابعتها والتعليق عليها. فقد كشف تفاصيل الأحكام الصادرة بحق نور زهير، وشرح بالتفاصيل الأحكام الصادرة بحقه وحق رائد جوحي وهيثم الجبوري. كما أظهرت فيديوهات مصطفى سند وهو يتابع نور زهير، مما أثار تساؤلات حول طبيعة هذا الدور. وتحدث سند عن ذهابه للبحث عن نور زهير في موسكو، وعلق على استمرار نور زهير في إدارة مطارات العراق رغم كونه مطلوباً للقضاء. هذه المتابعة المكثفة، رغم أهمية مكافحة الفساد، تثير مخاوف بشأن تجاوز الصلاحيات البرلمانية والتدخل في عمل السلطة القضائية، مما قد يؤثر على مبدأ الفصل بين السلطات ويعزز الإفلات من العقاب على تجاوزات السلطة. يكشف سلوك مصطفى سند عن تحديات تواجه المؤسسات العراقية في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان ومكافحة الإفلات من العقاب. فهو يُنظر إليه على أنه يظهر عجز البرلمان عن ردع أعضائه أو فرض معايير المساءلة، مما قد يضعف من دوره التشريعي والرقابي ويفتح الباب أمام انتهاكات حقوق الإنسان. كما يُفسر على أنه يكشف عن ضعف الهيئات القضائية التي قد تخضع لضغوط، مما يؤثر على استقلاليتها ونزاهة الأحكام، ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب. وتتحمل المفوضية العليا للانتخابات مسؤولية في السماح بترشح شخصيات ذات سجل تحريضي، مما قد يؤثر على شرعية المؤسسات الانتخابية وثقة المجتمع بها، ويساهم في تآكل مبادئ الديمقراطية وحقوق المواطنين. إن صعود النائب مصطفى سند وتبنيه لخطاب مثير للجدل يمثل تحدياً خطيراً للمسار الديمقراطي في العراق، ويهدد بشكل مباشر مبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون. فاستغلال الحصانة البرلمانية للدفاع عن جماعات مسلحة وتهديد الأصوات الناقدة، يُنظر إليه على أنه يقوض مبادئ العدالة وحرية التعبير، ويساهم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب. يتطلب الأمر مراجعة جادة من المؤسسات التشريعية والقضائية والانتخابية لفرض سيادة القانون، ومحاسبة كل من يسعى لتقويض السلم المجتمعي وحقوق الإنسان، وضمان بيئة سياسية تحترم التنوع وتحمي الحقوق والحريات، وتعمل على إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب التي تقوض بناء دولة القانون والمؤسسات. 

احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الان !