يُلاحظ في العراق تحولٌ لافت في التعامل مع البحث عن الحقيقة والمطالبة بتحقيقات شفافة، حيث أصبحت هذه الممارسات، التي تُعد حقوقاً دستورية مكفولة، مدخلاً للاستهداف والتحريض. وقد تجلى ذلك بوضوح في قضية الدكتورة بان زياد طارق، حيث تحوّل التضامن الشعبي الواسع والمطالبات بفتح تحقيق يلتزم بسيادة القانون إلى ذريعة لتشويه سمعة المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان واتهامهم بالخيانة والعمالة. ويهدف هذا التكتيك إلى سحب الغطاء المجتمعي عنهم وإضعاف مساحات التضامن المتاحة لهم، مما يقوض جهودهم في الدفاع عن الحقوق الأساسية.
لقد انطلقت حملات التحريض الأولية من داخل جهات تشريعية، والتي تدخلت بشكل مباشر في استقلالية التحقيق من خلال نشر معلومات مضللة واستهداف الرأي العام. وقد اتسعت دائرة هذا الاستهداف لتشمل جهات مرتبطة بالأجنحة المسلحة، التي قامت بتصعيد خطاب الكراهية ضد المنظمات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني. كما أعادت هذه الجهات نشر صور من احتجاجات تشرين بهدف التشهير والاتهام، وهي ممارسات لم تقتصر على التشويه المعنوي فحسب، بل أسفرت في كثير من الأحيان عن عواقب وخيمة وصلت إلى حد استخدام العنف المباشر.
في خضم هذه الهجمة الممنهجة، تحولت أدوات السلطة إلى وسائل إقصاء فعالة. فقد قام نواب في البرلمان بالتشهير بأسماء ناشطين وأماكن عملهم، مما فتح الباب أمام استهدافهم المباشر. وفي موازاة ذلك، أدارت منصات رقمية حملات منظمة تهدف إلى تخويف المجتمع المدني وتقييد حركته. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، قرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باستبعاد ناشطين من السباق الانتخابي، مثل الناشطة لوديا ريمون، بذريعة "الإساءة للسلطة القضائية والترويج للعنف الطائفي". هذه العبارات الفضفاضة لم تعد تشكل سوى غطاء قانوني هش يبرر الإقصاء ويعمق حالة الخوف في المجتمع، بينما تكشف تدخلات هيئة الحشد الشعبي في مسار الترشيحات عن تغلغل النفوذ المسلح في العملية الانتخابية، مما يقوض مبادئ الديمقراطية ونزاهة الانتخابات.
تتناقض هذه الممارسات بشكل صارخ مع المبادئ الدستورية والقانونية التي تحكم حرية التعبير في العراق. فالمادة 38 من الدستور العراقي تكفل صراحة حرية التعبير، بينما تضمن المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير دون أي مضايقة. وتلزم هذه المادة السلطات بعدم فرض أي قيود على هذه الحريات إلا بموجب نص قانوني واضح ومحدد، وليس بناءً على تفسيرات مزاجية قابلة للاستغلال، مما يؤكد على ضرورة الالتزام بالضوابط القانونية الصارمة في هذا الشأن.
إن ما يتعرض له المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان اليوم لا يقتصر على كونه استهدافاً فردياً، بل يمثل تهديداً شاملاً لوجود المجتمع المدني العراقي برمته. هذه الممارسات هي محاولة متجددة لإخضاع كل صوت ناقد وتحويل الشركاء في الوطن إلى خصوم، بهدف تمكين السلطة من التمسك بسردياتها ومعاركها الوهمية. ومن هذا المنطلق، تنطلق حملة "احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الآن" لتؤكد أن التضامن مع الأصوات الحرة لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة ملحة. وتشدد الحملة على أن حماية المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان هي واجب وطني وأخلاقي وقانوني يقع على عاتق الحكومة العراقية والسلطات كافة. إن أي استمرار في التعدي على حرية التعبير واستقلالية المجتمع المدني يمثل خرقاً مباشراً للدستور والتزامات العراق الدولية، كما أنه يؤدي إلى إضعاف ممنهج لأسس العدالة والديمقراطية في البلاد.
احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الان!