في الوقت الذي يعيش فيه العراقيون مرحلة حرجة من تاريخهم السياسي، ووسط أزمة ثقة متفاقمة بين الشارع والمؤسسة التشريعية، يُفاجأ الرأي العام بمحاولة مستعجلة لإقرار قانون “حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي”، في جلسة مجلس النواب المقرّرة يوم السبت 2 آب/أغسطس 2025.

تأتي عودة هذا القانون إلى الواجهة في ظل غياب تام للشفافية، وسط غموض يحيط بالنسخة النهائية المعدّة للتصويت. فلم تُنشر المسودة الرسمية للعلن، ولم تُعرض على المجتمع المدني أو الرأي العام، كما أن التصريحات المتضاربة من داخل البرلمان بشأن تسمية القانون وصيغته، تثير قلقاً مشروعاً حول الدوافع الحقيقية وراء تمريره في هذا التوقيت.

وبالرغم من إعلان لجنة حقوق الإنسان النيابية أنها استجابت لملاحظات منظمات المجتمع المدني، إلا أن المراجعة المتاحة تكشف أن التعديلات التي دخلت لا ترفع إلى الحد الأدنى من الضمانات الدستورية والدولية التي تكفل الحريات الأساسية. فما تزال نصوص القانون تحمل طابعاً تقييدياً، وتمنح السلطات صلاحيات واسعة لتقييد أو منع التظاهرات تحت ذرائع فضفاضة مثل “الظروف القاهرة” أو “تهديد النظام العام”؛ وهي تعابير غير منضبطة قانونياً طالما استُخدمت لتبرير قمع الاحتجاجات السلمية.

كما تتضمن بعض مواد القانون أيضاً قيوداً على حرية التعبير بحجة حماية “الآداب العامة”، وتمنع إغلاق الطرق بشكل كلي أو جزئي، رغم أن هذه الأفعال تندرج ضمن الحقوق المشروعة للتظاهر السلمي بحسب القانون الدولي. والأسوأ من ذلك، هو ما يُتداول بشأن احتمال التصويت على نسخة قديمة ومرفوضة شعبياً، كانت قد طُرحت سابقاً خلال العقد الماضي وتضمنت اشتراطات تعجيزية وقيوداً جزائية مخالفة للدستور العراقي والتزامات العراق الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

إن هذه المحاولة لإقرار قانون “حرية التعبير” بصيغته الملتبسة لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الأوسع، المشحون باستعدادات انتخابية محمومة، وسعي محموم لإعادة رسم توازنات السلطة بعيداً عن أي التزام فعلي بإرادة الناس. فالقانون يُمرر في ظل مؤسسة تشريعية فشلت في تلبية المطالب الحقيقية للشارع، وانقطعت عن نبضه بفعل تعطيلها المستمر لعملها الرقابي والتشريعي، وتغوّل الكتل السياسية على حساب مصالح المواطنين.

طالما أثار قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي نقاشاً واسعاً حوله، بدءاً من اسم القانون، الذي طالب المجتمع المدني العراقي بتغييره وحصر اختصاص القانون فقط في تنظيم موضوعة التجمع والتظاهر، مروراً بالنصوص الفضفاضة التي يتوسع في استخدامها المشرّع العراقي دون تحديد واضح، مما يجعل تنفيذ القانون عرضة للتقدير الفردي غير المقيد للسلطات التنفيذية، وتفرغه من محتواه وتنتهك حق المواطنين في التظاهر أو الاعتصام، فضلاً عن التعبير عن رأيهم.

وإن تمرير القانون بصيغته الحالية يتعارض مع المادة 38 من الدستور العراقي، ومع التزامات العراق بموجب المادة 19 و21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تؤكد أن أي قيود على حرية التعبير والتجمع يجب أن تكون محددة، ضرورية، ومتناسبة.

كما أن المواد ذات الصياغات الفضفاضة والقيود غير الضرورية تهدد بفقدان القانون لشرعيته الدستورية، وتفتح الباب للطعن به أمام المحكمة الاتحادية العليا، استناداً إلى مخالفته المادة 38 من الدستور العراقي.

إن إقرار هذا القانون -بصيغته الحالية- يشكل خرقاً جسيماً للالتزامات الدستورية والدولية للعراق، ويعرّض أصوات المجتمع المدني والنشطاء لخطر التكميم والملاحقة.

ونحن، في حملة “احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الآن”، نطالب بسحب القانون من جدول أعمال مجلس النواب فورًا، وفتح حوار وطني حقيقي بمشاركة ممثلي المجتمع المدني والجهات القانونية المختصة، لصياغة قانون يحمي الحريات بدلًا من قمعها.

وندعو جميع العراقيين إلى استخدام كافة الأساليب السلمية في التعبير عن غضبهم ورفضهم لأي مسودة تُعيدنا إلى عصر الديكتاتورية والاستبداد وتسلب حقنا في التعبير عن رأينا بكل الوسائل السلمية المتاحة.

كما نحذر من أن تمرير هذا القانون سيكون بمثابة استهداف مباشر للمجتمع المدني، والنشطاء، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويشكل خطوة خطيرة باتجاه شرعنة القمع وقوننة تكميم الأفواه، في وقت لا يزال فيه الشعب العراقي يدفع ثمن تمسكه بصوته وحقه في الاحتجاج.

إن الحريات ليست منّة من أحد، وإن تقييدها هو تقويض للركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي حقيقي.

حملة “احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الآن!” 

بغداد، 1 آب / يوليو 2025