أثار فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية قلقاً واسعاً في الأوساط الحقوقية حول العالم، لا سيما في بلدان تعتمد بشكل كبير على التمويل الدولي لتعزيز الحريات والديمقراطية. ومع أن العراق لا يُعد ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن التوجهات التي تبنّاها ترامب في ولايته الأولى – القائمة على الانعزال، وتقليص دور الولايات المتحدة في دعم المنظمات المدنية الدولية، وشيطنة منظمات حقوق الإنسان – تعني أن الأثر على العراق سيكون غير مباشر، لكنه ملموس. في هذا السياق، برزت مخاوف من تقليص برامج الدعم الأمريكية لحقوق الإنسان والديمقراطية حول العالم، ومن تبني سياسات تمويلية جديدة تستبعد المنظمات المستقلة، وتُفضل الجهات ذات العلاقة المباشرة بالحكومات أو المؤسسات العسكرية. هذه التحولات تُنذر بانكماش المجال المدني في دول مثل العراق، وتُعيد إنتاج البيئة الطاردة للمدافعين عن حقوق الإنسان، عبر حرمانهم من أهم أدوات الحماية: الدعم الدولي والاستقلال المالي.

وفي ظل أزمات متفاقمة في المنطقة، كالصراع العربي–الإسرائيلي في غزة ولبنان وسوريا، والأزمة الإنسانية المتصاعدة في السودان، والتضييق المستمر على الحريات في ظل أنظمة استبدادية، بات من الواضح أن قضية حقوق الإنسان لا تقتصر على الحروب والنزاعات فحسب، بل تمثل مفهومًا شاملًا يطال مختلف مناحي الحياة. يشمل هذا المفهوم حرية التعبير، والحق في التظاهر السلمي، ومكافحة استغلال العمالة، والتصدي للتمييز العنصري والجندري، وصولًا إلى ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، وفتح مساحات آمنة للدفاع، والحوار، والسعي نحو التغيير.

 

التمويل الدولي في مهب الريح

 

لا يقتصر التحدي على التحول الأمريكي وحده. خلال العامين الماضيين، بدأت مؤسسات مانحة أوروبية ودولية بإعادة النظر في أولوياتها، خاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتصاعد الأزمات الاقتصادية العالمية، وتزايد التوترات في منطقة الشرق الأوسط. هذا التزاحم في الأزمات أدى إلى تقليص تمويل البرامج الحقوقية والتنموية في بلدان مثل العراق، لصالح دعم الاستقرار السياسي ومشاريع "التنمية السريعة" ذات الطابع الأمني أو الاقتصادي.
 وفي حديثها عن هذا التحول، تقول مديرة مؤسسة مجتمع مدني تعمل في بغداد: "أغلب المشاريع الجديدة مشروطة بالعمل مع جهات حكومية، وعلينا أن نبرر وجودنا كمجتمع مدني ضمن رؤية الدولة، وإلا فلن نحصل على التمويل". لطالما ارتبطت دعوات قطع التمويل بالبرامج الانتخابية التي يقودها زعماء يمينيون حول العالم، والذين وضعوا نصب أعينهم خارطة عمل تستند إلى وقف تدفق المهاجرين وإيقاف مشاريع التمويل التي تغذيها الحكومات الغربية في المناطق التي تعاني من نزاعات مسلحة أو تقف على أعتاب تحولات ديمقراطية. غير أن كثيرًا من هذه الممارسات اليمينية كانت مدفوعة بأهداف انتخابية، إذ تبرر تلك السياسات الارتباك الاقتصادي العالمي بإلقاء اللوم على آليات التمويل دون النظر في جذور الفشل، والذي غالبًا ما يعود إلى غياب التوزيع العادل للثروة والانقسامات الطبقية الحادة التي تعاني منها المجتمعات.

وفي ظل هذا التوجه العالمي، جاءت أولى خطوات الرئيس دونالد ترامب بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بتجميد المساعدات الأمريكية المقدمة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USIAD) ووزارة الخارجية لمدة 90 يومًا، تحت ذريعة مراجعة آليات توجيه التمويل ومدى توافقه مع سياسات إدارته.

هذا القرار كان له تداعيات خطيرة، إذ أدى إلى شل حركة المجتمع المدني على مستوى العالم. فقد تسبب في انقطاع العديد من الخدمات التنموية التي كانت تغطيها تلك المساعدات، من التعليم إلى الإغاثة والصحة، في وقت يواجه فيه العالم أزمات إنسانية متفاقمة في مجالات الصحة والغذاء والنزوح القسري.

أما على الصعيد الحقوقي، فقد شهد مسار الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان تراجعًا كبيرًا، ما ينذر باتساع حملات التضييق وتراجع الحراك الحقوقي العالمي. وقد انعكست هذه السياسات بشكل واضح في المنطقة العربية، التي لا تزال ترزح تحت وطأة أنظمة استبدادية تسخّر الأدوات التقنية والقانونية لخنق مساحات العمل المدني وتقويض الثقة بفعاليته.

ويبرز هذا التراجع بشكل جليّ في العراق، حيث تعتمد منظمات المجتمع المدني بشكل كبير على التمويل والمنح الخارجية. كما كانت هناك مشاريع حكومية ممولة جزئيًا من الدعم الأمريكي، تهدف إلى إغلاق مخيمات النازحين وإعادة توطينهم. إلا أن توقف هذا الدعم كشف عن هشاشة التخطيط الحكومي، وغياب البدائل الكفيلة بضمان حقوق النازحين في العودة والاستقرار.

انعكاسات التخفيضات المالية عالمياً

لا تقتصر أزمة التمويل على الولايات المتحدة، إذ أعلن مانحون رئيسيون مثل ألمانيا، هولندا، والمملكة المتحدة عن تخفيضات حادة في ميزانياتهم:

خفضت الولايات المتحدة تمويل العقود متعددة السنوات بنسبة 92%، مما أثر على 54 مليار دولار وألغى 4,100 منحة بقيمة 4.4 مليار دولار.

قلصت ألمانيا المساعدات الإنسانية بأكثر من 50% لعام 2025، مع تخفيضات قدرها 1 مليار يورو في ميزانيات التنمية.

بدأت هولندا في تنفيذ تخفيضات تدريجية بقيمة 300 مليون يورو في 2025، و500 مليون يورو في 2026، و2.6 مليار يورو سنويًا من 2027.

خفضت المملكة المتحدة ميزانية المساعدات إلى 0.3% من دخلها القومي.

 

 

 

 

أزمة وجودية للمجتمع المدني

 

النتيجة المباشرة لهذا التحول في السياسات التمويلية هي خلق أزمة وجودية لمنظمات المجتمع المدني المستقلة، لا سيما تلك التي تنشط في مجالات حرية التعبير، والعدالة الانتقالية، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان. فبدون تمويل، لا يمكن لهذه المنظمات أن تحافظ على كوادرها، أو أن تنفذ مشاريعها، أو أن توفّر الحماية القانونية والإعلامية للناشطين المستهدفين.
 وفي هذا السياق، تُصبح البيئة الحقوقية في العراق أكثر هشاشة، حيث يُدفع المدافعون نحو العزلة أو الاستقالة، وتُترك الانتهاكات بلا رصد أو توثيق، ويُفتح المجال أمام السلطة لتعزيز خطابها دون رقيب. إن ما يواجه المجتمع المدني اليوم ليس مجرد "أزمة تمويل"، بل هو انكشاف كامل لمعادلة ظلت لسنوات تستند إلى دعم خارجي مشروط، لم يكن مستداماً، ولا مستقلاً بما يكفي لحماية الفاعلين المحليين في أوقات الأزمات.

في مواجهة هذا المشهد، لا بد من إعادة التفكير في نماذج التمويل التي يعتمد عليها المجتمع المدني العراقي. فبدلاً من الرهان على مصادر تمويل تابعة لحكومات كبرى تخضع لمتغيرات سياسية متقلبة، هناك حاجة ملحة لبناء تحالفات تضامنية دولية تُقدّم دعماً مالياً مرناً، مستقلاً، وطويل الأمد، يُراعي احتياجات المدافعين المحليين، ويُحترم خصوصية السياق العراقي. لكن كل ذلك لن يكون كافياً ما لم يُعاد الاعتراف بدور المجتمع المدني كعنصر أساسي في أي عملية سياسية أو تنموية، وليس مجرد مُنفّذ لعقود قصيرة الأمد.

 

الاستهداف الممنهج للمجتمع المدني في العراق

 

إلى جانب أزمة التمويل، يواجه المجتمع المدني العراقي حملة تضييق غير مسبوقة منذ احتجاجات تشرين 2019، حيث شنت السلطة هجمة منظمة لتقويض الحراك المدني. تجلت هذه الحملة في تجريم مصطلح "النوع الاجتماعي (الجندر)"، مما أدى إلى إلغاء العديد من المشاريع الرامية إلى تقليص الفجوة بين الجنسين. رافق ذلك موجات تحريض وشيطنة للمنظمات، ما أجبر العديد منها على ممارسة الرقابة الذاتية، والتخفيف من حدة الخطاب الحقوقي لتجنب الاستهداف.

 

التداعيات على المجتمع المدني العراقي

 

هذه التخفيضات بدأت بالفعل في التأثير على الفضاء المدني العراقي. حيث يشير أحد الزملاء الناشطين في حملة "احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق"، وعبر اجتماعاتهم مع الشركاء المحليين، رصدوا تداعيات الأزمة على المنظمات التي تعمل في مجالات متعددة متعلقة بالقضايا الاغاثية والإنسانية والتحول الديموقراطي ومجاميع الرصد والتوثيق لانتهاكات حقوق الانسان، حيث تلقت العديد منها إشعارات بوقف التمويل. ويقول الزميل وهو ناشط في منظمة محلية تعمل في احدى محافظات شمال بغداد، "بدأنا عملنا في 2015 في المجال الإغاثي، ثم وسعنا أنشطتنا بعد 2018 لتشمل إعادة الإعمار، بناء القدرات، والدعم النفسي. لاحقًا بدأنا تقديم استشارات قانونية وتوثيق حالات اختفاء قسري، ورفعنا تقارير لجهات دولية.ويضيف

"نفذنا مشروعاً مع الصندوق الوطني للديمقراطية (NED) استمر لثلاث سنوات وركّز على الشفافية والمساءلة، وفتح باباً للتعاون مع الجهات الحكومية. كما حصلنا على تمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مع شريك محلي، استمر لعامين. شمل رواتب فريق من خمسة موظفين ومصاريف تشغيلية، لكنه توقّف في يناير 2025، مما أثر بشكل مباشر على قدرتنا على الاستمرار".

ويشير الزميل الى ان عدد المستفيدين من المشاريع الممولة، تجاوز 8,500 شخص، من أفراد ومؤسسات محلية ورسمية. إلا أن توقف التمويل أدى إلى أزمة مالية حادة، شملت تأخر دفع الرواتب، وعدم القدرة على تغطية الاحتياجات الأساسية، ما اضطرهم إلى البحث عن بدائل دعم ممكنة. وبين انه عند مراجعتهم للخيارات البديلة، برز خيار التبرعات كإمكانية مطروحة. غير أن الواقع الاقتصادي الصعب في العراق، تضاف لها حملات التشويه المتعمدة والتي افقدت ثقة المواطنين بأهمية منظمات المجتمع المدني جعل هذا الخيار من الصعب الاعتماد عليه.

وبين الى ان غياب الدعم الحكومي، وازدياد التحديات البيروقراطية التي تفرضها المؤسسات الرسمية، يهددان بشكل مباشر استمرار عمل منظمات المجتمع المدني في المحافظة، ويعيقان قدرته على الاستمرار في أداء دورها التنموي والحقوقي.

 

ويتحدث زميل اخر ناشط في منظمة غير حكومية من جنوب العراق، عن المشاريع التي تم تنفيذها من قبل المنظمة، والمدعومة من مؤسسات أمريكية وغير أمريكية، والتي ركّزت على تعزيز حقوق الإنسان والمشاركة المدنية، وكان لها أثر واسع على المواطنين المستفيدين بشكل مباشر وغير مباشر.ويضيف الى ان،

توقف معظمها بعد قطع التمويل، كما أدى ذلك الى تغيير موقع مقر المنظمة ومشاركة المقر مع منظمات اخرى، مما أفقدهم الخصوصية، فضلًا عن تقليص عدد الموظفين بشكل كبير، وتحول أعضاء الهيئة الإدارية إلى العمل بشكل تطوعي بالكامل.

ويشارك ،الزميل من الجنوب زميل اخر يعمل في منظمة شبابية من غربي العراق، القلق، حيث يقول

"نحن منظمة شبابية فاعلة في المجال المدني، وكنّا نعمل ضمن مشروعين مموّلين من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. المشروع الأول تناول قضايا البيئة وتدوير النفايات، واستهدف ما بين 3000 إلى 3500 طالب وطالبة من مدارس متعددة في عدة مدن.

أما المشروع الثاني، فركّز على بناء قدرات الشباب وتعزيز مشاركتهم في عمليات بناء السلام، واستهدف 500 شاب وشابة في مدينتين. ويضيف "تأثرنا بشكل مباشر بقرار إيقاف التمويل،

إذ كانت هذه المشاريع تغطي رواتب الموظفين ومستلزمات المكتب. بعد التوقيف، اضطررنا لتعليق الرواتب وإيقاف عمل الكادر، كما تم إلغاء العديد من الأنشطة والمبادرات، وتوقف العمل البرامجي للمنظمة بشكل عام". ويشير الزميل الناشط من احدى محافظات غربي العراق، الى ان أكثر الفئات تضررًا من تقليص التمويل، كانت النازحين.

 

كانت لتداعيات إيقاف الدعم المالي آثار كبيرة على المناطق الخارجة من النزاع. فقد لعبت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دورًا فاعلًا في العديد من المحافظات خلال فترة سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي على مساحات شاسعة من العراق، عبر دعم مشاريع الإعمار، وتمكين المجتمعات، ومواجهة آثار التغير المناخي. وهو ما عجزت الحكومة العراقية، عن توفيره جميعا من خلال الموازنة العامة، كما ساهمت منظمات المجتمع المدني في سد هذه الفجوة، عبر برامج واسعة لجمع التبرعات.

أظهرت المقابلات الميدانية التي أُجريت مع نشطاء من منظمات المجتمع المدني ومن محافظات مختلفة، أن قرار وقف التمويل الدولي—لا سيما من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والصندوق الوطني للديمقراطية (NED)—كان له أثر بالغ على استقرار واستمرارية العمل المدني. ورغم تنوع المشاريع التي نُفذت في هذه المحافظات، والتي شملت بناء السلام، دعم حقوق الإنسان، تمكين النساء، مراقبة أداء المؤسسات، والتعامل مع آثار التغير المناخي، إلا أن القاسم المشترك بين هذه التجارب كان الاعتماد الكبير على التمويل الخارجي، في ظل غياب بدائل محلية مستدامة.

لقد أتى تجميد التمويل الدولي في سياق تصاعد الخطاب اليميني في أوروبا والولايات المتحدة، حيث رافق هذا الصعود تعهدات بوقف التمويل الموجّه إلى مناطق النزاع، ما ألقى بظلاله على مستقبل العمل المدني في العالم والعراق على وجه الخصوص. كما يبرز السياق الذي نشأت فيه منظمات المجتمع المدني عبر محافظات العراق، كرد فعل عاجل لتلبية احتياجات المدن الخارجة من النزاع، والتي عانت من انحسار المساحات المدنية وضعف فرص بناء السلام. وتتطلب هذه المناطق استمرارًا مكثفًا للدعم من أجل تمكين المجتمعات من تحقيق أهدافها في التعافي والاستقرار.

وفي هذا السياق الملتبس، تتعرض مسارات حقوق الإنسان والحريات العامة إلى تهميش متزايد، مما يعطل الجهود في مجالات أوسع، كالمساءلة والشفافية، ومحاسبة المنتهكين، وتوسيع مساحات التوثيق والرصد، إضافة إلى إضعاف جهود ترسيخ حقوق الإنسان، وتعزيز آليات الحماية والضمانات المتعلقة بها.

انعكست الأزمة على عدة مستويات:

أُجبرت بعض المنظمات على تقليص كوادرها أو الانتقال إلى مكاتب أقل تكلفة، وتحولت العديد من الوظائف إلى طوعية، فيما جُمّدت أنشطة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، مثل النازحين، النساء، والشباب. وتفاقمت الأزمة في المحافظات الخارجة من النزاع، حيث شكّل المجتمع المدني حلقة الوصل الأساسية بين الحكومة والمجتمع، وسدّ ثغرات كبيرة في الخدمات العامة.

   سلّطت هذه المرحلة الضوء على غياب الشراكة الحقيقية بين المجتمع المدني والحكومة، وافتقار المؤسسات المحلية لآليات دعم فاعلة للمنظمات. ويبرز أيضًا تحدٍ جديد يتعلّق بأثر التغير المناخي، حيث تواجه بعض المحافظات الجنوبية تداعيات بيئية واجتماعية معقدة، تتطلب تدخلًا مدنيًا مدعومًا ومستمرًا.

في المحصلة، تشير هذه الحالات إلى ضرورة إعادة التفكير في نماذج تمويل أكثر استدامة، تدعم استقلالية المجتمع المدني، وتعزز دوره كمحرّك للتغيير الاجتماعي والتنموي، في ظل الأزمات الاقتصادية والبيئية التي تمر بها البلاد.

 

التمويل كـعدالة مناخية ومسؤولية دولية:

 

إن قطع التمويل عن منظمات المجتمع المدني في العراق لا يجب النظر إليه فقط كمجرد توقف لدعم تنموي أو إنساني، بل يجب فهمه ضمن إطار أوسع يرتبط بمفاهيم متعددة مثل قضايا التحول الديموقراطي وقضايا انهاء الافلات من العقاب والعدالة المناخية والمسؤولية البيئية العالمية. فالدول النامية، ومنها العراق، تتحمل اليوم تداعيات مختلفة واهمها التغيّر المناخي، رغم أنها ليست من الدول المسببة الرئيسية لهذا الخطر الوجودي.

على سبيل المثال، العراق يعاني من ارتفاع درجات الحرارة، شحّ المياه، العواصف الترابية، وتدهور الأراضي الزراعية، وكلها ناتجة عن اختلال المناخ العالمي. ورغم أن انبعاثات العراق من غازات الدفيئة تبقى ضئيلة مقارنةً بدول صناعية كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن العراق يقع في خط المواجهة الأول مع هذه الأزمات، ويُطلب منه التأقلم معها دون أن يحظى بالدعم الكافي.

في هذا السياق، يجب أن يُفهم التمويل الدولي – وخاصة من الدول الصناعية الكبرى – كـ التزام أخلاقي و"ضريبة مستحقة" على الأثر البيئي السلبي الذي تسببت به تلك الدول. فالمجتمعات المتأثرة، ومنها المجتمعات العراقية، تحتاج إلى آليات دعم طويلة الأمد لتعزيز صمودها ومساعدتها على التكيّف، ليس فقط على مستوى الدولة، بل على مستوى المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني التي تقف في الصف الأمامي لمواجهة هذه التحديات.

إن غياب هذا التمويل لا يعني فقط توقف مشاريع أو خدمات، بل يؤدي إلى انكماش اقتصادي إضافي على السكان، ويزيد من هشاشة الفئات المهمشة، مثل النساء والنازحين، ويضاعف من معدلات الفقر والبطالة في بيئة اقتصادية يعاني فيها المواطنون أصلًا من تداعيات التقلّبات العالمية، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وغياب الخطط الحكومية طويلة الأمد.

من هنا، فإن استمرارية الدعم لا تُعد مسألة "كرم دولي"، بل هي جزء من مسؤولية تاريخية يجب أن تتجسد من خلال التزامات عملية، واستثمارات مستدامة في صمود الشعوب والمجتمعات التي تتحمل اليوم كلفة أزمة لم تكن هي من صنعها.


أحموا المدافعين عن حقوق الانسان في العراق الان!

 

لتحميل التقرير بالكامل