حقوق الإنسان في العراق بين وعود التغيير وتحديات الواقع

مقدمة 

في التاسع من نيسان/أبريل 2003، دخل العراق مرحلة جديدة مع سقوط نظام صدام حسين وبدء الاحتلال الأمريكي، إيذاناً بانطلاق مشروع سياسي جديد قيل إنه سيبني عراقاً ديمقراطياً يحترم حقوق الإنسان ويضمن العدالة وسيادة القانون. واليوم، وبعد مرور 22 عاماً على هذا التحول المفصلي، يعيش العراقيون واقعاً مليئاً بالتناقضات؛ إذ تزايدت الوعود الرسمية بتحقيق العدالة، لكن بقيت الانتهاكات ضد المواطنين والمدافعين عن حقوق الإنسان مستمرة، بل ومتفاقمة، في ظل بيئة سياسية معقدة وغير مستقرة.

أولاً: البيئة السياسية بعد 2003 – ديمقراطية شكلية وتناحر نخبوي

منذ 2003، تشكّلت العملية السياسية في العراق على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية، وهي صيغة هندسها الاحتلال لضمان توازن هش بين مكونات المجتمع، لكنها أفرزت في الواقع نظامًا مبنيًا على التناحر السياسي والفساد والاستئثار بالسلطة. وتوالت الحكومات بدءًا من مجلس الحكم، إلى حكومات إبراهيم الجعفري، نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي، وأخيراً محمد شياع السوداني.

رغم تغيير الأسماء، ظل النمط السياسي واحدًا: ضعف في الأداء التنفيذي، تدخلات خارجية في القرار الوطني، تهميش لصوت المواطن، وهيمنة الأحزاب المسلحة على القرار السيادي. لم تُحقق الإصلاحات الموعودة، وظلت الديمقراطية شكلية، تُمارَس فيها الانتخابات تحت ضغط المال السياسي والسلاح المنفلت.

 

 

ثانياً: تدهور حقوق الإنسان – مؤشرات مقلقة وصمت رسمي

 رغم إدراج الحقوق والحريات في الدستور العراقي لعام 2005، مثل حرية التعبير وحق التظاهر وحرمة المسكن وحقوق المعتقلين، إلا أن التطبيق العملي ظل مرهوناً بالولاءات السياسية وقوة الفاعلين غير الرسميين. ومن أبرز الانتهاكات التي وثقتها منظمات محلية ودولية:

  • الاعتقالات التعسفية بدون أوامر قضائية.
  • التعذيب الممنهج داخل السجون ومراكز الشرطة
  • التهديدات المستمرة للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
  • قمع الاحتجاجات الشعبية، لا سيما احتجاجات تشرين 2019، التي شهدت استخدامًا مفرطًا للقوة واغتيالات لم تُحاسب الجهات المسؤولة عنها.

ثالثاً: المدافعون عن حقوق الإنسان – مستهدفون من السلطة والمجتمع 

في ظل البيئة السياسية القمعية، أصبح المدافعون عن حقوق الإنسان في العراق عرضة للاستهداف المباشر. فقد واجهوا حملات تشويه، وتهديدات، واعتقالات، بل واغتيالات في بعض الحالات. لا توجد حماية قانونية لهم، ولا توجد آليات تضمن أمنهم وسلامتهم، بل إن بعضهم أُجبر على مغادرة البلاد بعد تعرضه للملاحقة.

مثال صارخ على ذلك، قضية اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي في 6 تموز 2020، والتي تم التعرف على القاتل لاحقاً وإدانته، إلا أن محاكمته شابها الغموض وانتهت إلى تبرئته في أيار 2023 لأسباب مجهولة. كما أن المتهم بقتل الناشط ثائر الطيب، كفاح الكريطي، والمحكوم بالإعدام، ظهر في مقاطع مصورة من داخل السجن يتمتع بامتيازات غير قانونية، ما يثير تساؤلات عن جدية العدالة.

 

رابعاً: الإفلات من العقاب – أساس الأزمة 

إن الإفلات من العقاب في ما يتعلق بالهجمات التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين ومن يسعون لتحقيق العدالة، يثير المخاوف ويجعلنا في بيئة من الخوف والترهيب والتي لا تزال تقيد بشدة حرية التعبير، كما لا يزال القضاء العراقي يمارس دوراً ضعيفاً، فالناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان مازالوا في دائرة خطر الانتقام من الجماعات المسلحة أو المتعاطين معها.

إن عمليات التضييق على الحراك الاحتجاجي والنشاط المدني في العراق مازالت مستمرة وتتخذ أشكالا مختلفة، فعلى الرغم من المطالبات الدولية بضرورة احترام حقوق الإنسان في العراق وأن على الحكومة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لكشف نتائج التحقيق وحسم ملفات ضحايا الحراك الاحتجاجي، إلا أن رئيس دائرة حقوق الإنسان الذي ألقى كلمة جمهورية العراق خلال الحوار التفاعلي بشأن تقرير الأمين العام للامم المتحدة، ذكر أن "العراق يعمل على توفير بيئة آمنة ومواتية للمجتمع المدني، إيماناً منه بأهمية دور المجتمع المدني في تعزيز النظام الديمقراطي"، في الوقت الذي تفرض فيه الأمانة العامة لمجلس الوزراء عن طريق دائرة المنظمات غير الحكومية قيوداً كبيرة وعقبات لا حدود لها على عمل منظمات المجتمع المدني ونشاطاتها، فضلا عن حملات التشويه التي تطال الناشطين والمدافعين عن قضايا المرأة وصلت للتحريض على القتل، دون اي رد فعل من السلطات وبلا ادنى إجراءات لمحاربة حملات التشويه والتضييق التي يتعرض لها المدافعون عن قضايا المرأة.

 

خامساً: مسار الحكومات المتعاقبة – غياب الرؤية وضعف الإرادة

 رغم تشكيل مفوضية حقوق الإنسان، وإنشاء لجان برلمانية تُعنى بالحريات، ورغم توقيع العراق على العديد من الاتفاقيات الدولية، إلا أن التنفيذ الفعلي بقي هشاً ومتناقضاً. فلا يوجد قانون لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وتُستخدم القوانين القديمة، مثل قانون العقوبات لعام 1969، لمعاقبة النشطاء بتهم غامضة. وغالباً ما تُستخدم أجهزة الدولة الأمنية كأداة للترهيب بدل أن تكون وسيلة لحماية المواطنين.

سادساً: الحاجة إلى إصلاح عميق وشامل إن تحسين واقع حقوق الإنسان في العراق لا يتم عبر بيانات رسمية أو إصلاحات شكلية، بل يتطلب:

  1. إعادة النظر في هيكل النظام السياسي، والتخلص من المحاصصة.
  2. تفكيك الجماعات المسلحة غير المنضبطة، وربط السلاح بيد الدولة فقط.
  3. إقرار قانون خاص بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
  4. إصلاح القضاء، وضمان استقلاليته.
  5. تمكين مؤسسات الرقابة، وتفعيل دورها دون تدخل سياسي.
  6. دعم حرية الإعلام، ووقف ملاحقة الصحفيين والنشطاء.
  7. اعتماد مبدأ العدالة الانتقالية لكشف الجرائم والانتهاكات منذ 2003.

خاتمة 

في الذكرى الثانية والعشرين للتغيير السياسي، يقف العراق أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن يتجه نحو بناء دولة القانون والمواطنة والعدالة، أو يستمر في الدوران داخل حلقة العنف والإفلات من العقاب والقمع. إن مستقبل العراق لا يُرسم فقط عبر الصفقات السياسية، بل يتطلب ضمان كرامة الإنسان، وحماية المدافعين عن حقوقه، وتقديم الجناة إلى العدالة. حينها فقط يمكن الحديث عن عراق جديد بحق.

                                                  

احموا المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق الان!